2010/09/16

فِي المِحْنةِ شَخْصَانْ - خاص كيكا

أنا شخصان: طينيٌ ورمليٌ. في جوفي قلبان: بنيٌ و أسودْ. تعشقني بنتان: تُوتا وهند. وفي نحري ملكان: سيفٌ وحربةْ. لي قبران: روضةٌ من رياض الجنة وقبو من نار. فابعثني يا صاحبي،أينما شئتَ. ابصقني، كيفما كنتَ. ارسمني على كهفك أو كفك أو في بوصلة عينيك. اصلبني أو توجني، فأنا فعلان و مفعولان: نَبِيٌ فِي معركةٍ وفي الأخرى شيطانْ. ش
استيقظُ إذ استيقظُ من نومي سكران. أتوهم أني ملك و أني صعلوك و أني كعبةٌ تربةٌ. أتوهمُ أني أتوهمُ، فيفجعني الإعلام بان لي وطنان. وطنٌ كالطين و آخر كالطيان. ابني منهما عرشي، اغسل فيهما وجهي، وأتبولُ أو أتوضأُ بالنيل الأزرق و الأبيض و الأحمر و الأسود كأسماك البلبوط الوحلانة في ألم الطوفان. واني أتذكر إذ أتذكر كل نِساء العالمِ فِي قُبْلةْ.
واني استنكر إذ استنكر هذا الليل المتبرج و المفتون بقطرة ماء يستخلصها من إبط الوردة طنانٌ مجنونْ، استودعُها- باسم الله - رحم البنت.
لم يخلقني في تلك الليلة ربي، لم يقرأ جدي في أذنيَّ : "إنَّا أنزلناهُ في ليلةِ القدرْ"، لم تُطعمني أُمي مِنْ ثدييها لُغةَ الشعَراءِ المُنْتَعِظِينْ كهوائيات التلفون. كان الصبيةُ مَشْغولين بصناعة مركب نوح. يخلقها أطفال الحارة من عُشب البيت و أقصاب البوص. لم يُتكاثرَ كالطحلب أو يُسْتنسخَ أو يُتصورَ في المَاءِ أو العُشبةَ حبيبي، بل كُنا مُنذُ الطلقة شخصٌ واحدٌ.
يطلقَ النارَ على كبدي و يهتفَ منتصراً.
بعد قليلٍ، يسْقُطَ مَيْتَاً.
ويُسمى في بيت الزوجةِ مقتولاً، ولدى الأم: قتيلان.
فأنا في عُرفِ الطلقةِ مجرد لحم يُثْقبْ، مَحض دماءٍ يتدفق من أوردة وشرايين شتى، محض صُراخ وآهات يصدرها مَلْحُومٌ مكلومْ.
ابعثني يا صاحبي في حضن حبيبي. ابعثني كالطير ملائكة و خيول. ابعثني في الليل نبياً بغير كتابٍ و قمرْ، بدون جناحين. أتبركُ بوحلِ خطاياي. فأنا شخصان بإثمين وفضائح شتى، ابعثني يا صاحبي. سَئمتُ القبرَ. سَئمتُ الجَنةَ ولم تدهشني بُنياتِ الحورِ "المفعوصات" وتطواف الوِلْدَانْ.
وَطني مُنذُ الطلقةِ أوطانْ. و أنا شَخْصٌ وَاحدْ، لكني في المِحنةِ شَخْصِانْ. لا أعرف اسمي بالفطرة، في الواقع: لِي اسمانْ.

الدمازين
1-9-2010