2010/07/18

صَلاةُ القَلبْ -خاص كيكا

سيدي ابن الإنسان، لأننا لم نلتق منذ أكثر من ألفي عام، منذ ان افترقنا في ظلمات اورشليم، اقصد منذ ان كنا أطفالاً نلعب في ازقة السماء بالنجوم وشجيرات الكون الزاهيات، كانت لنا نفس الذاكرة ونفس الروح ونفس المسافات الطاعنات في العِشق، كانت لنا ذات المريمات تنمو في أظافرهن لجَب الجُند الذين سوف يأخذونك إلى هنالك و يسوقونني إلى هنا، يشيدون بيني وبينك أحجارا من ألفى سنة ونيف، لكن لا أحد يمحوا ذاكرتي من رسم قلبك البهي، الذي ظل ينبض بين أضلعي، يدغدق أحشائي بكلام الله الطيب، يقول لي في السر: الحقيقةُ،سوف تطلقك حُراً.
أريد أن أقول لك الآن، بعد كل هذا الدهر من الأيام الطويلات، بعد أن استفحل شجن الروح وصار مميتا مثل أسف صديقنا يوحنا الأسخريوطي المسكين، أقول لك : إن الحقيقة لم تستطع أن تطلقني حُراً، لقد كبلتني بقيد من نار، كلما برد صار أكثر قسوة، كلما غنيت له، صارت عيناه غولات كاسرات وعضتني في وجهي، لم تحررني الحقيقة يا سيدي، انما ادخلتني بيت الرعب، واصبح هنالك مليون صليب يطلبني، مليون مسمار تتشهي دمي، ودمي بالكاد يفي حاجة القلب للحب، بالكاد يحمل مراكب المريمات الى قيامتي، تماما كما خبرناه أنت و انا قبل ألفي عام و نيف، الحقيقةُ الآن أحبسها في كمبيوتري الشخصي، مثلها مثل حبيباتي، زجاجات القهوة، أشعار بدر شاكر السياب وسمعة صديقتي السيئة - لقد صار لي صديقات في الآونة الأخيرة، بعضهن لهن سيرةُ عطرة- لم تتعبني الحقيقة كما يبدو للحراس، لم تتعبني يا سيدي أبدًا، لكنني كنت لها بالمرصاد، تقاتلنا في شوراع القاهرة،عند الخور الكبير في قريتنا بخشم القربة، على دير المحرق باسيوط: أنت تذكر ذلك المكان جيدا، أينما خبرتها نازلتها، كرجل لرجل أو كرجل لحقيقة، ولو انني غالبا ما أكون رجلا، كم مرة كنت سيدة، مرة غانية من بعلبك، مرات كثيرات شاعرة يوغندية تنظم شعرها من جذور البابايات و البفرا وتزقزق كطائر الليل، كم مرة صرت مثل مريم أمي، سيدة لأبناء كثيرين و بقرة، في كل مرة أكبد الحقيقة خسائر تليق بقبح قلبها الشرير، بقبح قلبي الطيب كقلبك الذي ينبض الآن في صدري بدم من رمل وطين، قلبي قلبك حيث تخاطفته الأطيار بعدما ركت علي تويجاته الفراشات كنبيات من اللون و الرفرفة، سيدي، صديق طفولتي، ابن حارتنا الفقيرة: ذات ماء المطر .
أحبك منذ قبل ان نفترق الي مساء الليلة، ولم انكرك سوى مرتين، مرة عندما صرخت طفلةٌ في أزقة قلبي، اغتصبها جنجويد من الجن، أمام ناظري و أشار إليَّ ببندقيةٍ وحربةْ: أتعرفها؟
ونكرتك مرة أخرى وكنت أسير حول المكان، بينما مريم و مريم ومريم، يحاورن الحراس، رمقني الحارس اتخفى خلف أجمة من العُشب البري و استنط لمقالته ثم شاهدته يرتشي ثلاث مرات، فهتف بي صارخا، ما رأيت، قلت له : لا شيء.
ولم انكرك كثيرا في حروبات شاسعات بدرافور ولو انني رأيتك تحصى جراحات الموتى، تضع على وجعي عصابة من النار، رأيتك في الشارع مرتين و تحت شجرة النيم في بيتنا تلاعب الخراف، رأيتك تضحك، تبكي وتقود جحافلاً من الأطفال و المشردين لبيتك في سويداء قلبي، لم أنكرك وَلو أنّكَ ألمتني بالحقيقةِ، التي أطلقتني حُراً مِنكَ أنت بالذاتْ.

ليست هناك تعليقات: