2016/09/27

الرجل الخراب للروائي عبدالعزيز بركة ساكن في أمسية منتدى الكتاب في برمنغهام

حلّ الروائي السوداني عبدالعزيز بركة ساكن الحائز على جائزة الطيب صالح للرواية في عام 2009 عن روايته ((الجنغو مسامير الأرض)) ضيفا على منتدى الكتاب في برمنغهام لفاعلية شهر مايو 2015 عبر روايته ذائعة الصيت الرجل الخراب.

امتلأت قاعة المنتدى في مدينة برمنغهام –المملكة المتحدة- في أمسية يوم السبت الماضي 30 مايو 2015 حيث توافد معجبو الروائي للمشاركة في قراءة رواية الرجل الخراب ومناقشتها من قبل المهتمين.

في بداية الأمسية التي استمرت لزهاء الأربعة ساعات متواصلة، رحب الاستاذ عبدالعزيز موسى -منسق المنتدى وأحد أعمدته الأساسية التي تسهر وتعمل دون كلل لرفعة مكانة المنتدى وتحسين أدائه وعلى نحو مستمر ومرئي- رحب بالحضور وعرف بالروائي عبدالعزيز بركة ساكن الذي أطل على الحضور عبر شاشة خدمة الإسكايب من مكان إقامته في فيِّننا العاصمة النمساوية. كما أعطى السيد عبدالعزيز موسى الفرصة لمعظم الحضور لتحية الضيف والتعريف بأنفسهم.

جاء بعد التعارف دور السيد إبراهيم حامد شلاب ليبدأ بتقديم قراءته عن رواية الرجل الخراب، حيث تطرق إلى الأجواء العامة التي اتسم بها العمل وشخوصه ورأى في الرواية ميلاد أفق جديد من العمل الابداعي يختلف عن الكثير من الأعمال من حيث عمق التحليل وعكس معاناة الناس في مناح شتى. فضلاً  عن إعْمالِ الروائي أساليب وتقنيات سرد ابتدعها على نحو غاية في الروعة والابداع ليُشرُّحَ بها تناقضات حياة بطل الرواية درويش المهاجر السوداني- المصري الذي تكبله قيود كثيرة تحول دون انخراطه في مجتمعات الفردوس المتخيل وجوده في أوروبا، لنراه يعيش منفصما، إذ لم يعد ينتمي إلى مجتمعاته هناك في الوطن أو الأوطان الكثيرة التي ينحدر منها في الأصل وبالمقابل غير قادر لأن يكسر الحواجز التي تمنعه من أن يصبح عضواً كامل الأهلية في مجتمعه الغربي الذي اصبح فيه غريب الوجه واليد واللسان.

فحسني درويش الذي يمثل الرجل الخراب يلعب الدور المحوري في مختلف أحداث الرواية، ولد إنسانا هجينا ومرتبكا إذ جاء إلى هذا العالم من أب سوداني ويعيش في مصر بمعية أمه المصرية التي تزوجت بآخر بعد وفاة والده. والإرباك يتجلى بوضوح  أكثر في عدم حصول درويش على شهادة وثيقة ميلاد أسوة بالكثيرين من الأطفال وليجد نفسه أجنبيا أمام السلطات المصرية. وتتجلى ملامح الفوضى الخراب في حالة اللامنتمي التي تتلبسه فيما يتعلق بقضية الهوية والانتماء. صحيح إنه يعرف كونه سودانيا-مصرياً، بيد أنه في الحقيقة يعاني من حالة اللاتوازن لجهة سؤال الهوية (من أنا). فهو يقرُّ بضآلة ثقافته ومعلوماته باستثناء دراسة كلية الصيدلة، وإنه لم يتعب نفسه في قراءة الكثير من الكتب إلا النذر اليسير منها، الأمر الذي لو حدث لجعله واثقا للتعبير عن أرائه عند تناول قضايا شتى مع أصدقائه. هذا الدرويش (وهذا الاسم لايعبر عن مغزى أو معنى صوفي هنا كما تعود الناس، بل يدل هنا على الفقر) كان يعرف بعض الآيات القرآنية التي كان يحفظها من دون استيعاب معناها أو إدراكه مغزاها. ولم يسمع عن أمهات كتب التراث العربي أو كتاب النبي أو غيرها، الأمر الذي جعله فريسة للجماعات الاسلامية المتطرفة التي جندته ذات يوم بسهولة، لافتقاره للأدوات المعرفية التي تساعده على التفريق بين الأفكار الملغمة والمفعمة بالوعي المزيف وتلك التي تحوي أفكارا أصيلة ومفيدة. هذا الأمر جعله شخصية مسلوبة الإرادة يسهل اقتيادها.

كنتيجة لهذه الخلفية من حيث الهشاشة الثقافية والفكرية نجده مندهشاً ومصعوقا، بمجرد إدراكه أن المرأة النمساوية ((التي تزوجها لاحقاً بعد وصوله إلى النمسا عقب رحلة شاقة ومحفوفة بالمخاطر، رحلة قرر السير فيها بعد أن تيقن أن الوطن الذي اعتقد أنه مأواه وواحته اضحى طاردا والموت عبر البحار والصحارى للوصول إلى مكان يصلح ليكون وطناً بديلاً برر له ركوبه تلك المخاطر)) تلك المرأة تقرأ كتباً وأعمال ابداعية وفكرية من منتوجات مكتوبة ومترجمة عن تراث بلده، كما ذكرنا فهو لا يعرف عنها شيئا، بل ولم يسمع عنها من قبل.

كحال الكثير من المهاجرين، نجد درويشا تلكم الشخصية المتناقضة، يصل أوروبا وخاصة النمسا، وكل أمله أن يعيش في رفاه وثراء في مجتمع الحريات الشخصية والفردية، ليتفاجأ بأن الكثير من الصور التي رسمها في مخيلته لم تكن أكثر من أضغاث أحلام. وكانعكاس صريح وسريع لسطحيته وتمسكه بقشور المفاهيم ولغاية تسريع عملية اندماجه واختلاطه في مجتمعه الجديد، يغيَّر كل ما يمت بصلة بتاريخه من اسم وارتباط بالعروبة والاسلام فيسمي نفسه هاينرش ويتزوج من نورا شولز آملاً أن ينخرط بمجتمعه المسيحي الجديد ويصبح جزءا منه، وليتعزز ذلك الاندماج، حسب اعتقاده، انجبت له زوجته النمساوية ابنتهما ميمي.

مع الأيام وبينمالإبنة تكبر يتبدى تناقض هاينرش وارتباكه بجلاء. فالأب رغم تمثله وزعمه الاندماج والتحرر، إلا أنه في جوهره كان أسيراً ومكبلاً بمخزونه المجتمعي الذي رحل معه وأبى إلا أن يعشش في عقله الباطن ليظهر في كل سانحة أو حدث يستفزه ليفقده توازنه.

فكم من مرة وبخ ميمي وأمها وضربهما ليؤدبهما على عادة ما درج عليها الناس هناك في المشرق، لتأخذه الشرطة لخارج البيت وليحظر عليه العودة إليه بسبب سلوكه الذي يتنافى مع ما يفترض فيه أن يكون قد اندمج في مجتمعه الجديد الذي ييتوقع منه أن يدرك أهم قاعدة ذلك الأندماج وهي أن يترك الناس، حتى زوجته وإبنته وغيرهم  يتصرفون بحرية، فلا يجدي محاولة منعه ميمي من ملاقاة حبيبها توني في بيت العائلة لتقضية أول ليلة لها بعد عيد ميلادها الثامن عشر في غرفتها لتتذوق طعم الانفراد مع رجل، هو حبيبها...

نتيجة لارتباكه وصراعه بين ماضيه وواقعه الحالي، كل تصرف يبدر منه محل مراقبة من الجهات الرسمية التي تعتقد أنه بحاجة إلى إعادة تأهيل ليصبح عنصرا إيجابيا في أسرته ومجتمعه. تأهيل نفسي وحضاري وسلوكي لابد أن يعطى للرجل ليصبح هاينرش عن حق وجدارة ويرمي بالنتيجة حسني، ذلك الاسم القديم في سلة المهملات..

إن الرواية هي محض صراع ثنائيات. ثنائيات الثقافة والدين والأحلام والصحيح والخاطي والمتحضر والمتخلف والليل والنهار التي مدخلها إشكالية الهُوية بكل تجلياتها. فالغريب في الأمر وعلى الرغم من موافقة الرجل على تغيير اسمه الأول حسني إلى هاينرش إلا أنه تشبث باسم العائلة درويش وكأنه أراد الاحتفاظ بخط رجعة للتواصل أو لنقل محاولاً  التعاطف مع مؤلف الرواية الذي ترك مرابع طفولة كثيرة متعددة تمتد ما بين أسيوط والقضارف وكسلا وحلفا وبل مدينة قلوج في غرب إرترياحيث عاش وأجداده هناك، ليتحدث لغات شعوبها – تقري وتقرنيا وغيرها- وذلك حسب ما أفاد به الروائي عبدالعزيز بركة ساكن في إحدى مداخلاته للحضور في ذات الأمسية، ليؤكد أنه سوداني-مصر-إرتري- بل وقرن إفريقي بحكم فهمه ومعايشته للغات وتراث شعوب تلك المنطقة الغنية بأبداعاتها أنه يحس بإنتمائه لتلك البقعة الطيبة.

في هذا السياق والمتعلق بمثلث كسلا-قلوج – القضارف، صرح مؤلف الرواية للحاضرين في الأمسية: أن "الجنغو" يعيشون في تلك المنطقة، ومن خلال مراقبته لأسلوب حياتهم وسلوكهم الإجتماعي وتعلقه بمميزات تلك الحياة الجميلة من حيث انتشار الاندايات (الخمارات) وحياة المرح وغيرها من مظاهر،هي التي أوحت له بكتابة وتأليف روايته المشهورة ((الجنغو  مسامير الأرض)) التي نالت جائزة الطيب صالح للرواية عام 2009 كما ورد فيما تقدم من أسطر.

بالعودة إلى رواية هذا الشهر "الرجل الخراب" الصادرة عن مؤسسة الهنداوي عام 2015. فإن الرواية جاءت في حوالي 124 صفحة من القطع المتوسط ومقسمة بعد الإهداء إلى 11 عنوانا  نستطيع القول أن كل عنوان يحمل رواية خاصة مستقلة بأحداثها وأسلوب لغتها عن باقي الفصول. واللغة تمتاز بسلاسة وجاذبية لا يخطأها القاريء.

بعد سماع ورقة السيد إبراهيم حامد شلاب الشاملة، بدأ الحضور بطرح رؤيتهم وتساؤلاتهم التي تم استنباطها من القراءة السابقة لمجيئهم للقاعة. ولأن قائمة الحضور طويلة ويصعب إيرادها كلها، نكتفي بذكر أسماء بعض الذين أدلوا بملاحظاتهم ضمن السياق العام للنقاش. منهم الدكتوران محمد محمود وجمال جبرا والاستاذ زكريا والاستاذة سوزان كاشف ومها إبراهيم القادمتان بمعية الأستاذ فائز القاضي من لندن والاستاذة إيمان التي حضرت خصيصا من مدينة كوفنتري والاستاذ عبدالعزيز موسى منسق المنتدى والاستاذ فضل تكروري والاستاذ ياسر والأخوات الفاضلات رشا خلف الله وإخلاص وشذى ومها وعوضية وآخرون من أعضاء المنتدى الذين زادوا القاعة بهاء وألقا.

هناك ثمة إجماع للحاضرين فيما ذهبو إليه من تعقيبات: قالوا فيها:

"إن رواية ((الرجل الخراب)) ترمز إلى خراب حقيقي حتى في أسلوب كتابتها وتداخل فصولها بشكل غير ترتيبي إلى الحد الذي يرشح كل فصل من فصولها في أن يكون رواية مستقلة دون إخلال أو نقصان في توصيل رسالة الكاتب.

والخراب يتجسد في شخوص الرواية وكتابتها التي جاءت على نحو متشظي ليجاري خراب الرجل خراب النص المفتوح بأريحية على مصاريعه، ليتشتت معه ذهن القاريء وليعود مجددا يتشبث بالنص بقوة رغم ما يصيبه من دوار.

إن تدخل الروائي أو الكاتب في كثير من مجريات السرد في الرجل الخراب، لم يكن سافراً أو مخلاً."

في رده على سؤال أحد الحضور حول كيفية تأليفه هذه الرواية عن المجتمع الغربي ووهو الذي لم يمض على إقامته هناك سنتان؟ قال عبدالعزيز بركة ساكن في رده:

"أولاً: قبل أن يحل بي المقام هنا في فيَّننا عاصمة النمسا، كنت أزور أوروبا مرات عديدة ودرست في الجامعات الإيطالية. ثم أن هناك مسألة يجب وضعها في الحسبان وهي أن كتابة الروايات لاتتطلب العيش أو الإقامة كل العمر لتبدأ في عكسها على الأوراق، فحتى الروائي الفذ الطيب صالح لم يكتب رائعته موسم الهجرة  إلى الشمال إلا في بداية سنوات إقامته وعمله في البي بي سي في المملكة المتحدة. وأمر آخر هو أنه ليس بالضرورة أن يكتب الإنسان عن الشيء الذي جربه أو عانى منه شخصياً أو حتى عايشه بنفسه. فإذا كان شرط المعايشة والتجربة الشخصية عاملا حاسما، فكيف تسنى للإنسان أن يكتب عن الجحيم أو غيره مما لا يتاح له معايشته أو لمسه. وأمر ثالث لابد من التذكير به وهو أن أي عمل إبداعي لا يعني أن من كتبه يوافق على سلوك شخصيات روايته. فإذا كانت هناك شخصيات لا أخلاقية في سلوكها أو متزمتة أو حتى خيرة أو تمتلك صفات أخرى، قطعاً لا يعني الأمر أن ذلك العربيد أو ذلك الإنسان الطيب والخلوق هو انعكاس للكاتب. فالكاتب أو المؤلف أو سمه ما شئت هو مجرد عين عاكسة لما يجري حوله من أحداث يصورها ويحاول وضعها في قالب إبداعي ليسهل عملية فهم واقع محدد، دون أن يعني أن الكاتب هو كاميرا تصور دون أن يتبنى هذا الكاتب موقفاً محددا مما يرى ويشاهد وبالتالي يدعو مداورة لإصلاح أي خلل يعتقد وجوده دون أن يصرح بذلك بطريقة إنشائية.

قال متحدث آخر:

في قناعتي أن الروائي بركة ساكن تحدث عن حالة تشظى الهويات. وأرى أن عملية التشظي هذه وخراب الهوية، رغم ما يظهر من جانب سلبي، فأنا أرى فيه إيجابية. إذ الخراب الشخصي، ليس بالضرورة أن يكون خرابا بالمعنى الشامل. فالإيجابية تظهر في كونه أخرجنا من جغرافية مكانية محددة إلى فضاء جغرافي عريض وهي جغرافية الغرب التي اضحت اليوم، ولأسباب عديدة ربما ما يسمى بالعولمة، جغرافية عالمية يتداخل فيها وعبرها كل العالم في حالة من التهجينhybridization  الأمر الذي يشكل تحديا جاداً لكل من لا يستوعب هذا التغير السريع.

فالأبعاد المكانية والزمانية بالنسبة لحسني درويش القادم من أسيوط في حالة تنافر وصراع، فهو القادم من وراء البحار ومن مجتمع لا حاضر ولا مستقبل في قاموسه سوى التشبث بالماضي بكل تجلياته السالبة غالبا، يكون عنصر كبح وفرملة تحول دون اقتحام دروب تتطلب جهداً لقراءة المجتمعات الأخرى وبالتالي الوقوع نهماً لتوجسات خطيرة تَعْقلُ كل القدرات الفردية من التفاعل مع من حولها.

قالت إحدى الحاضرات:

"عندي إحساس وشعور قوي أن هناك ثمة ارتباك خلقته الرواية، ايقنت معه أن في الواقع فعلاً لا تكون الأمور واضحة ويستعصي فهم كل شيء في الحياة، إذ هي ملأى بخطوط متعرجة. وعند قراءتنا لأي عمل روائي، علينا أن نفصل بين الكاتب وعمله الإبداعي حتى لا نقع في الاختلاطات الغير سليمة."

من جانب آخر، علق أحد الحضور:

"أن عبدالعزيز بركة في روايته الرجل الخراب، كما أظن قام بإجراء بحث إجتماعي قبل أن يشرع في كتابة الرواية، وتبدو الواقعية في جانبين إثنين: نلاحظ أن الأم في بعض مشاهد الرواية تصارع وتجتهد لتعلم وتدرس أبناءها وكذا مشاهد رحلته إلى أوروبا والتفاصيل المتعلقة بالسيارة التي ركبها والإمساك بصور تفصيلية هي مركز قوة الكاتب.

الجانب الآخر هو استخدام الكاتب لكلمات يندر التفوه بها لأسباب إجتماعية  ناهيك من إيرادها مكتوبة، من شاكلة ما أشار إليه ليخبر عن طبيعة عمله  ((مخريا  للكلاب)) هذه الجرأة اعطت العمل مسحة موغلة في الواقعية ومنحته مزيداً من الزخم الذي يغري على القراءة ومواصلتها حتى نهاية الرواية."

أهمية الرواية تكمن في كون كاتبها إنساناً عادياً يتسم بالعصامية قرر الانحياز إلى صف المهمشين في كل مكان فهي بهذا الفهم تعكس معاناتهم وآلام الضعفاء بقطع النظر عن جنسياتهم وخلفياتهم. من هنا تكون فكرة ترجمتها إلى لغات أخرى غاية في الفائدة ليتعرف الآخرون، وبخاصة في أوروبا والغرب عموماً، على معاناة المهاجرين الذين يكابدون مشقة الترحال وتحمل الجوع والعطش والمهانة، سواء في أوطانهم الأم أو في رحلة الهجرة للوصول إلى بلدان المهاجر.

ليس هذا فحسب، بل يكون من الأهمية بمكان، أن يقرأها أبناء المهاجرين الذين ولدوا وترعرعوا في الغرب ليدركوا مغزى إشكاليات الهوية الذي يعبر عن نفسه في واقع دائم الحركة اسماه بركة ساكن تشظي الهوية حيث العالم القديم بدأ يتصدع ويتكسر، وبهكذا قراءة يكون بمقدور أجيال المهاجرين تحصين نفسها من ضغوط الحياة وثقافات الغرب عبر التزود ببعض من هوية ومعاناة الآباء المهاجرين وبالتالي يتخلصون من عقدة مركب النقص الذي يدفعهم لإخفاء جذورهم."

في نهاية الأمسية وفي ختامها:

توجه الأخ عبدالعزيز موسى بالشكر للمبدع عبدالعزيز بركة ساكن لتواجده عبر خدمة الإسكايب لساعات وتفاعله مع الحضور متمنياً اللقاء به حضوراً شخصياً في قاعة المنتدى  في مدينة برمنغهام مع صدور روايته التالية (( منفستو الديك النوبي)) قريبا. انتهت جلسة شهر مايو 2015 وحتى لقاء آخر قراءة ممتعة ومفيدة.

للتواصل مع المنتدى ومتابعة فعالياته:

Email: bbookforum@gmail.com

Facebook: muntada

Twitter: Muntada alkitab

حامد ضرار30 مايو 2015 برمنغهام- المملكة المتحدة



2016/09/23

(منفستو الديك النوبي) لـ بركة ساكن: العودة للعوالم المضيعة

منفستو الديك النوبي لـ بركة ساكن: العودة للعوالم المضيعة


عاطف الحاج سعيد 
(عند مكانٍ يعرفه جيِّدًا في حياته السابقة، عند جزيرة «ناوا» وهي ما يُطلق عليها «جزيرة الروح» أو «واحة الروح»، ويعرف عنها حكاياتٍ كثيرةً وأساطير يشيب لها الولدان. هبط به الديك، انبثق في وسط الجزيرة جبل شامخ، وفي جانبٍ منه بوابةٌ بدت كما لو كانت بوابة قصرٍ عظيم، انفتحت البوابة مصدرةً صوتًا مثل هزيم الرعد، وعبرها دخلا، كان يمشي على رجليه، وهو عارٍ تمامًا، يتقدَّمه الديكُ، الذي يمشي في زهوٍ وخيلاء مثل طاووسٍ مغرور، كانت رياشه تلمع وتتلوَّن وتبدو بأشكال غريبة، وفي مرحلةٍ قادمةٍ انتصب الديكُ، وصاح صيحته تلكَ المُرعبة، التي يعرفها «فتح الله» تمامًا، وكانت تفجِّر مكامن الرعب فيه في حياته السابقة، الآن لا تعني له شيئًا، ولم تحرِّك فيه أية مشاعر، كانت كأن لم تكن. ربما لأن الموتى لا يخافون. ودار الديكُ مثل مروحةٍ عملاقةٍ من الريش، فتبعثرت رياشه في شكل عاصفةٍ ملوَّنةٍ لتغطِّي المكان كله...) 
منفستو الديك النوبي _ بركة ساكن 
بهذه اللوحة التي ترد في السِفر الأول من اسفار الرواية (سِفر الملوك) والتي يمتزج فيها الواقع بالاسطورة، وهي لوحة سينمائية مليئة بالحركة والإدهاش والإبهار، يمسك الروائي عبد العزيز بركة ساكن - بحرفية معهودة عنه-  بقارئه الذي سيلهث حتماً خلف السطور مستمتعاً بالمعالجة الفنية الروائية الرفيعة التي يقدمها بركة ساكن لثيمات وشخصيات روايته الجديدة (منفستو الديك النوبي). إنها آخر الأعمال الروائية للروائي بركة ساكن والتي ستصدر قريباً عن دار نشر تونسية. فيها يواصل بركة ساكن مغامراته السردية الشائكة. تدور احداث الرواية في جو فانتازي مبهر وبها يقدم بركة ساكن مقاربته السودانية للواقعية السحرية.
تحتشد الرواية بالشخصيات التي تتساوى تقريباً في أهميتها داخل الرواية، كل الشخصيات هي شخصيات رئيسية. مما يجعل من الصعب القول أن الشخصية الفلانية هي الرئيسة وبقية الشخصيات تستخدم كداعم لها. 
يقدم بركة ساكن الشخصيات التي يحتشد بها حي زقلونا عبر محاور سردية. كل مجموعة من الشخصيات تمثل محور سردي مكتمل ومفتوح في نفس الوقت عبر نفاج صغير على المحاور السردية الأخرى. 
ان البطل في هذه الرواية ليس هو جبريل كيري ولا فنح الله فراج  ولا غيرهم من الشخصيات التي تحتشد بها الرواية، البطل في هذه الرواية هو المكان. والمكان هو (حي زقلونا) فضاء المهمشين الكبير في عاصمة البلاد الكبيرة " كانت «زقلونا» في تلكَ الأيام منازل عشوائية من الخيش والكرتون والمشمَّع والقش، تزيلها السلطات نهارًا، ويُعيد بناءها السكانُ بالليل، إلى أن تعبت المحلية وقامت بتخطيطها وبيعها بأسعار زهيدة لآدميين فقراء سيطروا عليها بوضع اليد والإصرار والمماطلة". تضم زقلونا في رحابها مهمشي المدينة الكبيرة، تعيش فيها ماجدة بائعة الزلابية وجبريل بائع اللحمة الكيري وأنور سيدنا صانع السيوف والسكاكين وشيخ عبد الرحيم المعالج البلدي وكل أولئك الذين قدموا من الهامش للمركز الذي استقبلهم بغير ما ترحاب. 
تتناول الرواية كثير من الثيمات: الظلم الاجتماعي والتهميش ووضعية المراة في مجتمع متخلف والفساد والحرب والسلام والنزاعات القبلية، انها ملحمة روائية تهجو الفساد وسرقة كنوز البلد بعشوائية بليدة. 
يعود بركة ساكن، بعد مُفارقته لسير المهمشين والمضطهدين في السودان في روايته الأخيرة (الرجل الخراب)، يعود في روايته الجديدة ليجتر بحنين متأمل عوالمه الُمضيعة من منفاه في مدينة سالفدن النمساوية. وبعودته هذه يقدم لنا رواية سيُنظر لها حتماً على انها من أهم الأعمال الروائية السودانية والعربية.  ستبقى هذه الرواية حاضرة في الذاكرة الأدبية لروعة وجمال هندستها الفنية وللغتها العظيمة وللجهد الادبي الكبير الذي بذله بركة ساكن ليقدم لنا عملاً بمذاق خاص ونكهة مميزة!   

2016/09/21

عن الرجل الخراب


«الرجل الخراب» للروائي السوداني عبد العزيز بركة ساكن: وهم التعايش مع الأخر وأزمة الهوية


تبر مسألة التعايش والاندماج بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية، خاصّة بالنسبة للمهاجرين العرب الذّين يعيشون في المجتمعات الغربية، مسألة جوهرية، فكيف يمكن التعايش بين ثقافتين مختلفتين تماما، ثقافة الغرب التي تؤمن بالحرية وبالفرد والمواطن والقانون ونقد المقدّسات وموت الله، وبين ثقافة مازالت ترزح تحت عبء الطائفية والقبلية ومسائل الحرام والحلال وجرائم الشرف وسطوة المقدسات؟ رواية «الرجل الخراب» لبركة ساكن تطرح هذه الأسئلة من جديد، خاصة بعد تنامي الإرهاب والعنف في أوروبا باسم الدين الإسلامي والدفاع عنه، من خلال رؤية نقدية مرآوية لشخصية حسن درويش المواطن السوداني المصري، الذي يهاجر هجرة غير شرعية إلى فيينا ويعيش هناك بوجهين، وجه ظاهر وهو التسامح والاندماج الكلّي، وبين ما يبطنه في داخله من عنف وكراهية لهذه الثقافة المغايرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بشرف ابنته.
قدّمها بركة ساكن في لبوس رواية تكفر بكل نواميس الرواية التقليدية، يدمج القارئ.. يعبث بسلطة الراوي ويتلاعب بكل الشخصيات والأدوار بمن فيهم القارئ، مستعملا أساليب مختلفة كالرمز والصورة الكاريكاتورية والفانتازيا «الرجل الخراب» رواية صغيرة الحجم صدرت مؤخرا عن دار هنداوي المصرية وتعرض لأول مرة في معرض القاهرة الدولي.

ملامح الشخصية المحورية

لعلنا لو أردنا الولوج إلى هذه الرواية وفتح أبوابها المضمونية والفنية، علينا بمفتاح جوهري وهو قصيدة «الأرض الخراب» للشاعر والناقد والمسرحي الانكليزي الأمريكي اليوت، الذي لم يكتف بركة ساكن من ذكرها في الرواية واستلهام العنوان، وإنما عبّر كما عبّر اليوت في قصيدته عن شخصيات معطوبة ومأزومة، تسكن عالما خاويا ويعتريها فقر عاطفي وثقافي رهيب، هكذا كان حسن درويش الذي يمثل الرجل الخراب، ولعلنا قلنا الشخصية المحورية وليس البطل، لأنه في الحقيقة لا يمتلك من البطولة شيئا، هو رجل يحوم حوله الخراب من كلّ جهة، هرب من خصاء البوليس في مصر عند اعتقاله لانتمائه في سنواته الجامعية الأولى للجماعات الإسلامية ليُخصيَ نفسه بنفسه عندما هاجر إلى فيينا بانسلاخه الظاهري عن ثقافته والاندماج الكلي في المجتمع الغربي، ووصل الأمر به إلى حدّ تغيير اسمه من حسن درويش إلى شولز هاينرش «إلاّ أنّ درويشا او هاينرش منذ قدم الى النمسا في تسعينات القرن الماضي قطع علاقته بكل ما هو مسلم وعربي …
قد لا يريد أن يورط نفسه في تحمل ما يقوم به المسلمون والعرب في شتى أنحاء العالم من خير وشر.
التسمية: حتى إن حرص حسن درويش على تغيير اسمه عندما هاجر إلى النمسا إلا أن الكاتب بركة ساكن يسميه درويشا في الكثير من مواقع الرواية والدرويش هنا ليس بالمعنى الصوفي طبعا، ولكن بمعنى الفقير، فهو فقير في كل شيء يتنصل من اسمه ليبدأ من جديد من دون تاريخ «ولا يمكن ان نفسر تغيير اسمه إلى هاينشر، بأنه واحد من عمليات محو تاريخه الواعية جدا « لكنه يبطن غير ما يظهر.
طفولة هجينة: يعيش حسن درويش منذ طفولته من دون شهادة ميلاد، يعيش حالة الاختلاف والتمييز فهو سوداني لأم مصرية يعيش مع والدته في مصر بعد موت والده، وتتزوج والدته من مصري ليجد نفسه أجنبيا.
السلطات المصرية تمنعه من الوجود في مدارسها، كما انه يعتبر كذلك في السودان، «لذا كان خليطا معقولا من الثقافتين، ولو أنه كان هجينا مربكا في كثير من الأحيان خاصة عندما يأتي سؤال الهوية».
ثقافة هزيلة: حسن درويش يعترف بنفسه بضآلة ثقافته، فهو بالإضافة لدراسته للصيدلة لم يقرأ من الكتب إلاّ النزر القليل، إنما يعرف فقط بعض الآيات التي يحفظها من دون فهمها، ولذلك استغرب من الكم الهائل للكتب التي وجدها عند نورا النمساوية، التي ستصبح زوجته، والتي تقرأ كل ليلة، وتعرف أمهات كتب التراث العربي، «ألف ليلة وليلة وكتاب النبي لجبران» وغيرها، في حين هو لم يسمع حتى عنها, وهذه السطحية جعلته طعما سهلا للجماعات الإسلامية المتطرفة التي جندته بسهولة «هجانة ثقافتي كانت السبب الأول، الذي سهل انضمامي للجماعات الإسلامية… فما كان عندي الأدوات التي تجعلني أفرق بين الأفكار المفخخة ذات الوعي الزائف والأفكار الأصيلة..».
شخصية متناقضة: يصل درويش بعد سفرة شاقة وخطيرة إلى النمسا، كل غاياته أن يعيش في رغد من العيش في مجتمع يحترم الإنسان «ولكنك عندما تصل إلى أول دولة أخرى سوف تنسى كل شيء وتعيش كإنسان، إنسان حقيقي «يندمج درويش في المجتمع الأوروبي او هكذا يتظاهر، يغير كل تاريخه اسمه وارتباطه بالعروبة وبالإسلام، ولكن عندما يتعلق الأمر بشرف ابنته يظهر الرجل الآخر، الذي عبر المخيلة ينفذ ما تعلمه في مجتمعه العربي المسلم المنغلق الذي يعتبر شرف المرأة شرف القبيلة «ابنتي هي شرفي ومن يمس شرفي باللبن اجعله يستحم بالدم»، وهنا يظهر التناقض الصارخ بين ابتسامة الرجل المتحضر وتكشيرة الوحش الكاسر بداخله.
شخصية مسلوبة: لم يكن لدرويش عبر حياته شخصية أو موقف يذكر كان دائما تابعا ومسلوب الإرادة يُسيطر عليه بسهولة تامة، لهشاشة ثقافته وشخصيته، تابعا لزوجته يخاف منها ومن ردود أفعالها، رغم انه المالك للبيت ولمجمل الثروة التي يعيشان منها، وهي التي تركتها له أم زوجته التي عمل عندها في بداية سنواته في الهجرة.
هذه إذن ملامح الشخصية المحورية التي عبث بها بركة ساكن وجعلها مسخا، شخصية تستطيع تطويعها والتلاعب بها نتيجة بساطتها من جهة وعقده وثقافته الهزيلة من جهة أخرى فيجعله يعمل «مخريّا للكلاب» في سنواته الأولى في المهجر، ليس لأنها مهنة سيئة ولكن لأن درويش يستعار منها، وذلك لما لصورة الكلب في ثقافتنا من نجاسة شخصية يقزّمها لتناقضها الصارخ، ولهذه التشيزوفرينية التي يعيش بها شخصية مرضية يعطيها الكاتب النهاية التى يستحقها وهي السقوط في الهاوية وبالتالي الانقراض.

بنية الرواية والقضايا المطروحة:

لعل كل الروايات أو معظمها تبدأ بمقدمات وبتقديم الشخصيات، إلاّ أن بركة ساكن في هذه الرواية بدأ بمشهد الذروة التي يضع حسن درويش أو هاينرش في مأزق كبير يظهر فيه المستور ويعري هذه الشخصية، وهو المشهد الذي تخبره فيه زوجته نورا بأن ابنته ميمي التي تجاوزت الثمانية عشرة بأيام قليلة وجدت صديقا ستأتي به إلى البيت، ويمكن أن تكون هذه ليلتها الأولى.
هنا يتظاهر بابتسامة عريضة لكن تثور ثائرته في الداخل كيف سيقبل هذا الأمر « ولم تظهر شخصيته الإسلامية العربية الاّ حينما أصبح عليه أن يدفع الثمن من لحمه ودمه، والمقصود هنا ابنته، فكل ما هو بعيد عن الشرف يمكن التعايش معه «وفي الحقيقة هذا المشهد أعطى المجال لبركة ساكن للمقارنة الواضحة بين ثقافتين مختلفتين، واحدة تقدس الحرية وتعتبر العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة شخصية وتعطى للمرأة مكانة كبيرة وللطفل مكانة أكبر»، في الغرب الأطفال أولا ثم النساء ثم الكلاب..ثم الرجل»، وبين ثقافة مازالت تعتبر المرأة في مرتبة دونية، وتعتبر شرف العائلة، تزوج عنوة ومن دون استشارتها ولهذا فتح المجال لمخيلة حسن درويش في تخيل مصير ابنته لو كانت في قريته الصغيرة في ريف مصر، «درويش يسرح بخياله بعيدا في قريته مطاردا بفضيحة ابنته بالحسم وبما يجب عليه فعله، أي أنه يدير معركته هناك في ميدان القتال الذي يعرف شعابه وطرائق كرّه وفرّه ويمكنه ان ينتصر فيه بصورة نهائية وقاسية «والحقيقة أن بركة ساكن لم يتغاض في هذا العمل وفي هذه المقارنة الواضحة عن سلبيات المجتمع الأوروبي فتعرض للمشاكل الأسرية لتعاطي المخدرات وللفراغ الروحي الذي يشعر به بعضهم.
وفي المشهد الثاني الذي سنركز عليه هو مشهد السفر هجرة درويش إلى النمسا، وهنا يفتح بركة ساكن ملف الهجرة غير الشرعية، طرقها شعابها ومخاطرها، التي أجبرت درويش على السفر من أثينا إلى فيينا في شاحنة مع الخنازير، وما يلف ذلك من رمزية، وكانت الخنازير أفضل حالا من درويش وناديا صامويال التي رافقته في سفرته، وهي شخصية من رواندا ومن أقلية التوستي، وفي الحقيقة هي ردة اعتبار من بركة ساكن للتطرق لهذه الحرب وانعكاساتها التي عاشتها أقلية التوستي، التي تعرضت للإبادة الجماعية سنة 1994 من قبل الهوتو، الأكثرية الرواندية التي سكت العالم عنها، وهي إشارة منه بأن كل الحروب القائمة على أساس عرقي طائفي ديني وغيرها لا تخلف إلا الخراب والدمار النفسي والمادي، وناديا من ضحايا هذه الحروب التي جعلتها تعيش عيشة العاهرات والمدمنات والمهمشات، فقط لتهرب من الإبادة والموت وفي المشهد الذي كان مكثفا ودراميا لأقصى حد، يبين فيه بركة ساكن أنّ الإنسان في بعض المجتمعات، خاصة في أفريقيا والعالم الثالث لا قيمة له، وأن الحيوان أفضل منه بكثير. 
مشهد درامي أقرب إلى المشاهد السينمائية بموسيقى تصويرية تؤثثها الخنازير، وفيه لا يتوانى درويش في مراودة ناديا» تماما كما تفعل الخنازير الشبقة في القفص المجاور… وعندما أدرك ذروة نشوته لم يفكر كثيرا أو قليلا في مسألة العيب والفضيحة»، وهو ما يؤكد تناقض هذه الشخصية المخرَّبة.
هذه الشخصية المتناقضة والمسلوبة هي التي ستؤدي بنفسها إلى الهلاك، وهو ما يحيلنا إلى المشهد الأخير، حيث قرّر درويش قتل صديق ابنته توني، «كان لطيفا لكن لم يكن هاينرش يراه كذلك، كان في نظره وحشا جنسيا مخبولا «، في الحقيقة لم يستطع درويش أن يندمج مع المجتمع الحديث في النمسا، وبقيت ترسبات التربية المحافظة تنخر عقله، «ولكن من الخطأ تجاهل البنية الدينية وأثرها في تكوين شخصيته طوال حياته، حتى إن تنكر لذلك الآن» حاول إذن درويش قتل توني بعد دعوته وزوجته وابنته في نزهة جبلية، يحاول في غفلة منه أن يسقطه من أعلى الجبل، لكن توني يتعلق بالشجرة وينقذ حياته، في الوقت نفسه، تتخذ زوجته نورا القرار بإسقاط درويش وقتله.
نورا لم تحب هذا الشخص قط وإنما زواجها منه مجرد مصالح مادية، وتعترف انّ درويش دمّر حياتها بالفعل وسبّب عقدا نفسية لا حصر لها لابنته، وصنع منها مخلوقا بائسا، فالشك منهجه ودرويش لا يتردد في أن يستخدم يده لحسم أي خلاف، وهو كذاب يكذب في كل شيء وهي تعتقد أنها لم تقتله وإنما هو الذي جهز لنفسه طريقة موته وكانت هي أداة التنفيذ.

الشبكة السردية:

قلنا إن استلهام بركة ساكن في هذه الرواية لقصيدة إليوت» الأرض الخراب» واضحا، وبما أن هذه القصيدة مثلت منعرجا جديدا في الشعر, واعتبرت افتتاح لعصر جديد مع شكل جديد وهي القصيدة النثرية، فإن بركة ساكن في هذه الرواية أيضا عبث بالشبكة السردية المتعارف عليها في الرواية العربية، حتى الحديثة منها، وعمد بعبارة سليم بركات إلى نصب الفخاخ للقارئ، يلاعبه ويعطيه معلومات خاطئة ويحشره في السرد ويتحدث معه، يقول في الرواية «الرواية عمل مشترك بيني، باعتباري كاتبا وبين الراوي والقارئ والشخصيات، وبالتالي يخرج الكاتب عن كونه سلطة ليصبح شخصية بحد ذاته «فقد أصبح الرواة، خاصة الراوي العليم والراوي من الخلف وضمير المتكلم سلطة فوق سلطة الكاتب، الذي يظن نفسه قديما جدا الخالق الفعلي للنص والمتحكم المطلق في مصائر شخصياته «وحتى الراوي العليم في هذه الرواية يجعله لا يعلم كل شيء ويسلبه بعض الحقائق، ثم ينسحب الراوي أو السارد، لأنه لم يصل إلى رؤية مشتركة مع الكاتب، يقول في الرواية «خسرت الراوي، خسرته على الأقل الآن، لأننا لم نصل إلى رؤية مشتركة أو حل وسط».

الخاتمة :

تعتبر إذن رواية «الرجل الخراب» إضافة نوعية لأدب بركة ساكن تجاوز فيها المحلية والحديث عن مشاكل السودان وقضايا المهمشين أطفال الشوارع في «الخندريس»، الحرب الأهلية وانعكاساتها في «الجنغو»، والقضايا السياسية والإطاحة بالمعارضين في «العاشق البدوي» وغيرها، ليكون «الرجل الخراب» تعبيرا عن الوضع الدامي الذي تعيشه ثقافتنا العربية الإسلامية، وتنامي موجة العنف والإرهاب نتيجة عدم قدرتنا على تجاوز الماضي والعيش في العصر الحديث بجهالة القرون الوسطى، وإن لم نستطع المجاهرة بهذا التناقض القائم في ذواتنا لا نستطيع أن نتقدم.
وبركة ساكن كان جريئا جدا في تعرية هذه الذات المتناقضة والمغتربة والمخرّبة، ولعله اختار لها نهاية صادمة، السقوط والاندثار ليدق ناقوس الخطر إن لم نتفطن إلى ضرورة نقد تراثنا الإسلامي وتجاوز التربية الدينية المتخلفة، «الرجل الخراب» هي نقد وتعرية لهذه الثقافة التي ترفض أن تنظر إلى نفسها في المرآة وتدعي أنها الأفضل وأنها تمتلك الحقيقة، وهكذا يمكننا أن نختم هذه القراءة بقول درويش «كذبنا عندما قلنا إننا استثناء».

ناقدة تونسية

ابتسام القشّوري

2016/09/20

فرنسا : اختيار رواية مسيح دارفور من ضمن افضل 15 رواية

Les 15 titres retenus pour le prix Premier roman 2016


10 romans français et 5 romans étrangers concourent pour le prix du Premier roman remis en novembre par un jury de critiques littéraires.

Les critiques littéraires membres du jury du prix du Premier roman, présidé par Joël Schmidt et qui accueille cette année Gilles Puldowski, ont publié leur première sélection.
 
Dix romans sont en lice pour le prix du Premier roman français :

• Marie BartheletCelui-là est mon frère (Buchet-Chastel)
• Guy BoleyFils du feu (Grasset)
• Jean-Marc CeciMonsieur Origami (Gallimard)
• Gaël FayePetit pays, (Grasset)
• Adeline FleuryRien que des mots (Les Nouvelles éditions François Bourin)
• Frédéric GrosPossédées (Albin Michel)
• Maëlle GuillaudLucie ou la vocation (Héloïse d’Ormesson)
• Mathias LairL’amour hors sol (Serge Safran)
• Stéphanie Vermot-OutheninLa straniera (La Grande Ourse)
• Frédéric ViguierRessources inhumaines (Albin Michel)
 
Cinq romans concourent dans le domaine étranger :  

• Cynthia d'Aprix SweeneyLe pactole (Fleuve éditions), traduit par Anne Demour
• Davide EniaSur cette terre comme au ciel(Albin Michel), traduit par Françoise Brun
• Marco MaginiComme si j’étais seul (HC éditions), traduit par Chantal Moiroud
• Molly PrentissNew York esquisses nocturnes(Calmann-Lévy), traduit par Nathalie Bru
• Abdelaziz Baraka SakinLe messie du Darfour(Zulma), traduit par Xavier Luffin
 
Le jury se retrouvera lundi 10 octobre pour annoncer sa seconde sélection, et le prix sera remis en novembre (le lieu et la date restant à préciser).
 
En 2015, le prix du Premier roman français avait été décerné à Didier Castino pour Après le silence(Liana Levi). Dans la catégorie Premier roman étranger, le jury avait décidé de distinguer deux auteures : la Brésilienne Vanessa Barbara (Les Nuits de Laitue, Zulma) et l’Autrichienne Maja Haderlap (L’ange de l’oubli, Métailié).