2010/03/15

صوت الظلام - خاص كيكا

يمر الظلام خلف القُطِية الكبيرة على أطراف أصابع رجليه اللينة، يمسك أنفاسه في قسوة لا تخلو من طرفة ومرح، أنا والقط، نسمع وسوسة العشب الناضج لأصابعه، أسمع همس الأفكار الشاسعة التي تعصف في عقله بالكلمات الموزونة وعبارات قُبرات الليل والصراصير المتمدنة البليدة..

يسمع القط لا شئ، يمر الظلام خلف ألف قطية كبيرة ومزيرة، والجميلة النقية سوف لا تحمل قفاف الحياة وسلال المرح مرة أخرى يشتاق إليها الدرب وطلائع الليل الغبشاء، كلبان يبحثان في الكوشة المنزوية عند الكمبو الصغير، رد السلام وتفقد الجيران والأصحاب وأخبار الحواشة، الحزن .. الفجر.. الجان.. سائق الكارو.. مورد الخضار.. يمر الظلام ناعماً، أسود، ترقص أجنحته البيضاء فتثير الورود الناعمة وأشجار اللوسينا العالية المتعالية تقبل ملائكة قريبات من لعبة الطفل، مثل عصفور ضلّ بوصلة الطبيعة كنت وما زلت أجوب البحار عائداً من طروادة روحي.. آهـ.. أهـ..

كم أغنية وكم أغنية وكم أغنية..

مسكينة قفة السوق إذ لا تجد إجابة لدهشتها عن الصباح.. لماذا أنا هنا.. أين الصديقة والرفيقة ابنة الدرب والقعاد؟!

ولماذا تصرخ النسوة يرمين بسوقهم العجلة على الدفلات ولا ينتبهن للقطط الصغيرة بين هنا وهناك..

مسكين جداً الليل يحبو خلف القطية الكبيرة تلاحق أنفاسه التعبة الخائفة، اسمع همس الليل في أذن الظلام، قوالاته ووقفته، اسمع دقات قلبه البيضاء الرقيقة مثل قول أحبك، المتوحشة.. نعرف أن عدَّ العمر ذرةً نقطةً يعني الكثير بالنسبة للقلب، وأنه خالٍ من الأصفر والأحمر والبنت، القلب أبيض كالأسفلت وأنا والقط وحدنا يخيفنا همس الليل في أذن القط، يخيفنا النداء..

ـ من؟!

ـ ماذا؟!

ـ الملك؟!

)يمكن دا الموت(

دعونا نذهب إليه، أين هي أحذيتنا القوية الدافئة، فلنتركها في البيت تحت عنقريب الراحة، أين هي ستراتنا، فساتين الجمال، أقمصة النوم، البناطلين القوية القطنية الزقاء، أين القطع السوداء الحميمة التي تغمض عينيها خجلاً عندما تلمسها أصابع الآخر المعرورقة المرتجفة، فلنغلق عليها دولاب الملابس، أين الأصدقاء، دعهم يذهبون إلى العمل، قد لا نحتاج إليهم..

فقط نحتاج بتهوڤن، المقطوعة التاسعة يطرق الباب؟!

أنا والقط عازفان وحيدان بغير إناث وأطفال وأحذية ذات كعوب عالية..

بغير بقايا خصل على الفراش.. نخاف همس الليل في أذن القط ولا شئ يقضي على جرأة الليل.. سوى صوت بتهوڤن يخترق الأشياء..

قال لي القط (تستدير عيناه وتستطيلان وتتثلثان في آن وأحد(

ـ لا يستطيع كل رجال العالم أن يصبحوا أنثى وأحدة.. ولا حتى قطة صغيرة عجفاء..

ابتسم، فتبدت أسنانه السوداء مثل حبات من الجواهر المسحورة، فأخافتنا أكثر أنا والقط لم نكن في يوم ما وحيدين.. كان دائماً معي، وكنت دائماً معه..

رجلان، أو قطان، أو..

قط ورجل، لا تدهشنا أية امرأة لا نعرفها ولا نتشهى غير أن نُترك وشأننا لا نبوءات أو قصص..

ينتفض القط إذا سمع النداء، يقعد فوق المكتبة، الكمبيوتر، تربيزة الطعام، أشعار ناظم حكمت، صورة الأسرة، فانوس المذاكرة الكهربائي المشاكس، ديوان ابن الفارض، دولاب الملابس، فوق رأسي تستطيل، تستدير، تتثلث عيناه، يبتسم فتبدو أسنانه أكثر سواداً ورعباً فتخيفنا..

أنا والقط لا نطمئن للمناداة بعد العاشرة مساءً..

لا نطمئن إلى النساء..

القط و..

أنا..