يُعتبر الجنس وممارساته الشبيهة، من الموضوعات الأكثر ملامسة للقارئ العربي والسوداني على وجه الخصوص أو القراء السودانيين تحديداً، مع إختلاف الزمكان السردي؛ فالتحولات في البنية السردية في الرواية الحديثة السودانية بشكل مخصوص والعربية أو المكتوبة بالعربية – لاعتبارات مثل لغة الكتابة العربية في مجتمعات تسيطر عليها الأخيرة – رغم تباينها الثقافي والثقافة العربية في مجتمعاتها، يلعب فيها الجنس وانحرافاته المثلية دوراً مجازياً يعكس به الكاتب ما ليس مرئياً بتلك المجتمعات التي يعبِّر عن قضاياها ويطرح إشكالاتها، ليس لما يكتنفه من إثارة للقارئ فحسب؛ بل لأنه من الموضوعات التي تشير إلى تناقضات الواقع والخطابات الرسمية لتلك المجتمعات، وتعتبر من المسكوت عنه أو ما لا يقبل النقاش فيه، بالإضافة إلى أن الجنس لا زال محلَّ أزمة نتيجة للكبت الممارس في المجتمعات المتأثرة بالثقافة العربية، سواء بفرضها أو كمحمول على مستوى عاداتها وتقاليدها.
الجنقو مسامير الأرض، كرواية بأسلوبية جديدة، تُعتبر خطوة قفز بها الكاتب عبد العزيز بركة ساكن بالقارئ نحو الواقعي غير المألوف في الكتابة الإبداعية، استخدم فيها تكنيكات سردية بقدرات كاتب روائي موهوب أظهرت تمرده على نمطية الرواية السودانية كحال كثير من كتاب العربية، ممن اشتغلوا على قضايا مجتمعاتهم وتحرروا من القيود المفروضة على أقلامهم، فبركة ساكن استخدم الألفاظ التي تُعتبر محرمة من قبل الرقيب، وأضفى عليها طبيعيَّتها وجعلها تعبر عن واقعها الاجتماعي بسلاسة أسلوبه وبساطة متمرس، وتشويق عن طريق حبكته وانتقالاته عبر دلالات لفظية؛ فكانت بوابة للتحرر الإبداعي افتتحها الكاتب وانطلق عبرها جيل جديد من الكتاب الشباب كما نلاحظ في حركة المدونين الإلكترونيين وأشكالهم الأدبية المختلفة.
والجنقو كما يقول عنهم بركة ساكن، مجهولون، حياتهم، موتهم، حاضرهم، مسقبلهم، حقوقهم، طبقتهم، وجودهم، نهاياتهم, سكرهم، وجنسهم، تناولهم بصدق.. وطرح الإشكالية بوضوح تلتمس قدرته الفائقة في إدارة الحبكة، فالجنس والمثلية الجنسية احتلا مجازاً محل تعبيرات اجتماعية تاريخية سياسية واقتصادية، ففي حالة الصافية، ينكشف التعبير المجازي للجنس وتماثلاته بنظرنا للمقاربة النفسية للشخصية والشخوص الأخرى وواقع كل منها حيث نجد أن للجنس طابع أداتي يتجلى تحليلياً إذا تعاملنا وفق المجموعات الدلالية المرتبطة بالسرد فنجد دوره المجازي كضرورة حتمية للبقاء ووسيلة لكسب العيش بجانب الترفيه أو المتعة المكبوتة, فتصبح العملية الجنسية بنية من بنيات الوعي وتكون الرغبة الجنسية هي الدافع اللاواعي عبره تتم عملية التكثيف (condensation ) للمكبوتات غير المعبر عنها مثل القيم والثقافة والوجود الاجتماعي والاقتصادي, فترفيهيته هي ما تعزز أهميته لانعدام وسائل بديلة في هذا المجتمع.
ففي بعض الحكي الشعبي والقصص الخرافية التي صيغت في أدب بعض المجموعات الأفريقية كسلوك غرائبي يدل على وحشيتها، وبالتالي الدفاع عن نفسها، فـ(المرافعين) و(الأقار) سمة لتلك المجموعات القبلية؛ لذا خلقت تلك الأسطورة لحماية نفسها من عمليات الرق تاريخياً وتشويه الأوجه عند بعض المجموعات، بالإضافة لكسر الأسنان، وهي وسائل يعتقدون أنها تحميهم من تجار الرقيق وعدم الاقتراب منهم, وهي عملية تشبهة إتلاف البضائع. نجح ساكن في توضيح الانفصام أو الانقسام عند خلق الأسطورة وجعلها حقيقة روائية، كما يقول الراوي متحدِّثاً عن ما قاله الشاهد على الأحداث، ويشكل جزءاً منها (ثم أقسم وأقسم وقال: الصافية انقلبت مرفعين)، فتتشرح مجازياً تلك التحولات المورفولوجية المتوحشة للصافية بالرفض وتلامس الأسطورة والحكي الشعبي لبعض القبائل والمجموعات في عملية التحول أعلاه والتشوه لتعزز الأسطورة التي صيغت بمعنى الرفض أو الدفاع؛ فنمو الصوف بجسد الصافية هو عملية التحويل إلى الحيواني المتوحش الأكثر عنفاً وحيوانية وشراً (اللحظة التي وضع يده على عري جسدها وبدأ يداعبها في أذنيها وأنفها الكبير, بدأ الصوف ينمو في جسدها, صوف أسود خشن وقبيح………………ص27) فالصورة النمطية للشر التي سعى الكاتب إلى تثبيتها للجسد مستخدماًً اللون الأسود وبشاعته أوقعت النص في فخ آخر ذي بعد دلالي ينمط جدلية الأسود والأبيض كثنائية رمزية للشر/الخير. إذن تشكلت مقابلات الوعي / اللاوعي تمثلها الرغبة / الجسد، فالرغبة حالة واعية بالمتعة واللذة, والجسد هو الرفض لكل ما هو تناسلي ولكل شكل من أشكال الغزو والخضوع كما حاول أن يوضحه الكاتب بلسان الراوي (سوف أحاول الجسد إلى أن يستجيب…….) (ص25 _الطبعة الرابعة). فالجسد فقط بيئة جنسية تتم من خلالها عملية تهدف للتناسل والمتعة تتطابق استجابته بشارة تصدر غريزيا من رغبة واعية يكون هو مناخها, فتحولاته الغرائبية والأسطورية هي حالة فصامية نتيجة للاستجابة للرغبة الجنسية الواعية بنفسها والمتعة المكبوتة اللاواعية, ومن جهة الصافية امتداد تاريخي لأسلاف عمروا تلك الأرض في حقبة من الحقب التاريخية تعود أصالة القرية لهم واستمراريتها، والتحول الجسدي كدلالة يفسر الأسباب الدفاعية لصاحب الجسد أو صانع الأسطورة، التي تكون صراعًا لأجل البقاء من خلال صراع الشر/ الخير، الصافية كجسد هو الرفض واللاخضوع لكل ما هو غازي أو ما تمليه الرغبة لأجل المتعة وبالتالي السيطرة، فآلية المقاومة هي التحولات الغرائبية للجسد باعتباره بيئة تتم فيها عملية التناسل فتنتج وريثاً للأرض / الجسد، التاريخ/الذاكرة، فينفسخ التناقض وحالة الفصام في الشخصية هي حالة تعيشها الشخصية السودانية التي لا تعي بنفسها، ولا زالت تبحث عن الهوية والتاريخ. عموماً كانت هذه مساهمة لقراءة لا تفترض إلا نسبيتها التأويلية كما تهدف إلى قراءة بأفق مختلف للرواية.
*مصعب أحمد الشيخ / مجلة البعيد
الجنقو مسامير الأرض، كرواية بأسلوبية جديدة، تُعتبر خطوة قفز بها الكاتب عبد العزيز بركة ساكن بالقارئ نحو الواقعي غير المألوف في الكتابة الإبداعية، استخدم فيها تكنيكات سردية بقدرات كاتب روائي موهوب أظهرت تمرده على نمطية الرواية السودانية كحال كثير من كتاب العربية، ممن اشتغلوا على قضايا مجتمعاتهم وتحرروا من القيود المفروضة على أقلامهم، فبركة ساكن استخدم الألفاظ التي تُعتبر محرمة من قبل الرقيب، وأضفى عليها طبيعيَّتها وجعلها تعبر عن واقعها الاجتماعي بسلاسة أسلوبه وبساطة متمرس، وتشويق عن طريق حبكته وانتقالاته عبر دلالات لفظية؛ فكانت بوابة للتحرر الإبداعي افتتحها الكاتب وانطلق عبرها جيل جديد من الكتاب الشباب كما نلاحظ في حركة المدونين الإلكترونيين وأشكالهم الأدبية المختلفة.
والجنقو كما يقول عنهم بركة ساكن، مجهولون، حياتهم، موتهم، حاضرهم، مسقبلهم، حقوقهم، طبقتهم، وجودهم، نهاياتهم, سكرهم، وجنسهم، تناولهم بصدق.. وطرح الإشكالية بوضوح تلتمس قدرته الفائقة في إدارة الحبكة، فالجنس والمثلية الجنسية احتلا مجازاً محل تعبيرات اجتماعية تاريخية سياسية واقتصادية، ففي حالة الصافية، ينكشف التعبير المجازي للجنس وتماثلاته بنظرنا للمقاربة النفسية للشخصية والشخوص الأخرى وواقع كل منها حيث نجد أن للجنس طابع أداتي يتجلى تحليلياً إذا تعاملنا وفق المجموعات الدلالية المرتبطة بالسرد فنجد دوره المجازي كضرورة حتمية للبقاء ووسيلة لكسب العيش بجانب الترفيه أو المتعة المكبوتة, فتصبح العملية الجنسية بنية من بنيات الوعي وتكون الرغبة الجنسية هي الدافع اللاواعي عبره تتم عملية التكثيف (condensation ) للمكبوتات غير المعبر عنها مثل القيم والثقافة والوجود الاجتماعي والاقتصادي, فترفيهيته هي ما تعزز أهميته لانعدام وسائل بديلة في هذا المجتمع.
ففي بعض الحكي الشعبي والقصص الخرافية التي صيغت في أدب بعض المجموعات الأفريقية كسلوك غرائبي يدل على وحشيتها، وبالتالي الدفاع عن نفسها، فـ(المرافعين) و(الأقار) سمة لتلك المجموعات القبلية؛ لذا خلقت تلك الأسطورة لحماية نفسها من عمليات الرق تاريخياً وتشويه الأوجه عند بعض المجموعات، بالإضافة لكسر الأسنان، وهي وسائل يعتقدون أنها تحميهم من تجار الرقيق وعدم الاقتراب منهم, وهي عملية تشبهة إتلاف البضائع. نجح ساكن في توضيح الانفصام أو الانقسام عند خلق الأسطورة وجعلها حقيقة روائية، كما يقول الراوي متحدِّثاً عن ما قاله الشاهد على الأحداث، ويشكل جزءاً منها (ثم أقسم وأقسم وقال: الصافية انقلبت مرفعين)، فتتشرح مجازياً تلك التحولات المورفولوجية المتوحشة للصافية بالرفض وتلامس الأسطورة والحكي الشعبي لبعض القبائل والمجموعات في عملية التحول أعلاه والتشوه لتعزز الأسطورة التي صيغت بمعنى الرفض أو الدفاع؛ فنمو الصوف بجسد الصافية هو عملية التحويل إلى الحيواني المتوحش الأكثر عنفاً وحيوانية وشراً (اللحظة التي وضع يده على عري جسدها وبدأ يداعبها في أذنيها وأنفها الكبير, بدأ الصوف ينمو في جسدها, صوف أسود خشن وقبيح………………ص27) فالصورة النمطية للشر التي سعى الكاتب إلى تثبيتها للجسد مستخدماًً اللون الأسود وبشاعته أوقعت النص في فخ آخر ذي بعد دلالي ينمط جدلية الأسود والأبيض كثنائية رمزية للشر/الخير. إذن تشكلت مقابلات الوعي / اللاوعي تمثلها الرغبة / الجسد، فالرغبة حالة واعية بالمتعة واللذة, والجسد هو الرفض لكل ما هو تناسلي ولكل شكل من أشكال الغزو والخضوع كما حاول أن يوضحه الكاتب بلسان الراوي (سوف أحاول الجسد إلى أن يستجيب…….) (ص25 _الطبعة الرابعة). فالجسد فقط بيئة جنسية تتم من خلالها عملية تهدف للتناسل والمتعة تتطابق استجابته بشارة تصدر غريزيا من رغبة واعية يكون هو مناخها, فتحولاته الغرائبية والأسطورية هي حالة فصامية نتيجة للاستجابة للرغبة الجنسية الواعية بنفسها والمتعة المكبوتة اللاواعية, ومن جهة الصافية امتداد تاريخي لأسلاف عمروا تلك الأرض في حقبة من الحقب التاريخية تعود أصالة القرية لهم واستمراريتها، والتحول الجسدي كدلالة يفسر الأسباب الدفاعية لصاحب الجسد أو صانع الأسطورة، التي تكون صراعًا لأجل البقاء من خلال صراع الشر/ الخير، الصافية كجسد هو الرفض واللاخضوع لكل ما هو غازي أو ما تمليه الرغبة لأجل المتعة وبالتالي السيطرة، فآلية المقاومة هي التحولات الغرائبية للجسد باعتباره بيئة تتم فيها عملية التناسل فتنتج وريثاً للأرض / الجسد، التاريخ/الذاكرة، فينفسخ التناقض وحالة الفصام في الشخصية هي حالة تعيشها الشخصية السودانية التي لا تعي بنفسها، ولا زالت تبحث عن الهوية والتاريخ. عموماً كانت هذه مساهمة لقراءة لا تفترض إلا نسبيتها التأويلية كما تهدف إلى قراءة بأفق مختلف للرواية.
*مصعب أحمد الشيخ / مجلة البعيد