2009/08/28
ذاكرةُ الطينِ ..كيكا
لا يدهشني القطن الأسود، سوف تثارين وتَقبلين ثمن القبلة ملحاً.. والمجد الذي يبنيه الأطفال على الرمل الذهبي.. بالتأكيد في شكل قصور وقطاطٍ وذرة شامية ـ مجد لا يقاس بمسبار اللحظة أو اللذة أو حتى طنين الجسد..
بقدر ما يوحي لي الحبر أحبك، حباً كثيراً يكفي قشلاقاً حدودياً من الطمأنينة وسر الليل، قد نتبادل نشوة الجسد ونحتفي بالروح ونهتف على بقايا الورق والأصباغ والأصدقاء بما يكفي من سخرية ولكنا أبداً لا نكتفي من الحنين الأسود الزاهي، لا يكفي الليل كله ولا المرقد وسقسقة ماء الحياء الحار، تنامين على كفي طوال العمر وتحلمين مثلك مثل العصافير الصغيرة..
العمر كله ثم الأقمار بين نهديك دون هدي أو سكرى، مثلي يبللها العرق النقي الحلو فتموء الأصابع الرشيقة، تأتي أقمار لا تعرفها الأقمار إلا بالندى، ترضع الأطفال ـ وهم يكبرون ويزدادون سواداً ـ ويبقيني الحرس خارج أسوار المدينة موسماً بعد موسم اتحمل ثقل الريح ونهيق الرعد وحوحة البرق المشاكس على أسوار المدينة ، وحدي أحبك..
أسمع الآن طنين الصمت وأرى كما يرى الحالم ذراعيك تبرزان من بين السواد تُلَوحان في الهواء وتقبضان لا شئ أو الملائكة الذين يوجدون حيثما يحصون لحظات الجسد الخفيفة طازجة بآلاتهم الحاسبة، وأحدة تلو الأخرى..
هي ذاتها دهشة كل شئ يحدث للمرة الأولى، هي ذاتها مأساة أن ينتهي..
هي..
ذاتها..
أن نعيش لنهدم ما بناه الميتون، كم قبلة تبقت من هذا الليل، كم لمسة ساق وعنق، وشوشة إبطٍ حنون، كم نخلة تنتظر عند الباب مولد يسوع، يتحرق جذعها شوقاً لرعشة متوحشة تنطلق عبر خلايا الجسد كعنكبوت مسحور، أطرق أبوابِ المُدن التي تحاصرنا، أنادي جميع الحراس بأسمائهم وألقابهم وكنية حبيباتهم ونسائهم وأقول لهم: إني أعرف كيف يسمون أطفالهم وإني أفهم سر بنادقهم التي لا تطلق النار أبداً ولكنها تخيف وتقتل وتسرق الدم من الشرايين؟!..
حينها يفتحون البوابات، تستيقظ العصافير والوطاويط والعناكب المتوحشة فاستقبلها بأحضان عطشة، تطل امرأة تبدو دائماً في الظل وشهية تحت ضوء الشمس وعفر الرمال..
آهـ.. سبعون عاماً وغداً يومٌ جديد، له شمس مكرورة وذات الآذان وثغاء البقر، وله ظلُ ذات الشجرة البعيد.. سوف يتمطى هذا الصباح بيني وبينك، رامياً بأجنحته الكثيرة في الفراغ الأخضر والطين والحر والراديو وما تبقى لي من بخور مسحور.. لا شئ يبقيني مستيقظاً غير ذاكرة الطين الحار تزحف مثل جيوش النمل المشؤوم..
كم قبلة تبقت من الليل.. كي يصير ليلاً، كم نشيد وبوليس يذرع الطريق المظلمة غادياً ورائحاً في خوف فطري، كم أنثى.. كم لحظة عميقة تحسبها الملائكة دهراً ونيف..
كم أغنية؟!
كم حبيبة حافية تخوض النهر ثم تجلس على ضفاف لا اسم لها تمشطها حوريات القاع السحيق بزيت الماء ويدلكنها برمل الشطآن الشهي تحت عرديبة اسميها عندما ـ نلتقي ـ نفح وردة الكَرَبْ المنسية.. وتحكي..
)على أنهار سيتيت..
حيث جلسنا..
وبكينا(
مثلك يا حبيبتي ينبع النهر من العاصفة وتخونه حدأتان فتلقيان به إلى الأرض حيث الجنة التي يصنعها ويصبح موضوعاً لها.. ما تبقى من الليل قبلتان.. غمزةُ نجم، شرطيٌ نعسان، بقيةُ ماء في الكأس، وردة تذبل تدريجياً، شظايا عطر تبرقُ هنا وهناك، ضفائرٌ مبعثرة على الفراش، قلمٌ فارغٌ وشاعرٌ.. ينام وحده على قهقهة المروحة العجوز..
2009/08/08
مَحض تَشهٍ.....كيكا
ما تعلمه الجندي في حياته، تحصده طلقة واحدة، والسيدة التي اختلقتها من أجل الحب يسحبها التيار نحو بقايا السفن المنسية وكنوز عصور تعرف الآن بعطرها وشئ من اللوتس الأسود، على شاطئ النيل يجلس النوبيون يروون لي كيف بنى جدي الهرم الأكبر ثم تزوج ببنت صانع التوابيت الحجرية في مصر السفلى.. أنا لا أضحك، أرسم في شفتي ليّة فمك، وردة خدك العميقة، أبحر في ماء شفيف ينطلق نحوي، يسكرني وتصطف البُنيات الجميلات المشيطات، سوقهن تهرع في الوقوف.. ويهتم الشعراء، ينشدون يقولون إن العالم أجمل.. وإنه الآن أحلى وإن الليل تملص من قبضة الشرطي وهراوته والتهم كلاب الحرس البُنية.. وأنا وأنت على المقهى، نحملق في عينيّ بعض، نتشهي أن نُتْرَك وحيدين وأن يمضي الناسُ إلى ما شاءوا.. أن نُترك والنادل ينعس، يتمطى، يجمع كرسياً على فنجان بارد وزجاجة ماء فارغة، عقب سيجارة بينسن، لفحة مريلة عصير العاشقة المحزون، رماد سجائرنا، فليتركنا، نحملق في عينينا نتشهى أن نرقص في العشب أو الماء أو الرمل وأن نبني بيوتاً من وقت يتكسر بين أناملنا ويسيل لعاب الليل الليل الليل، وتبقى آخر فتاة للأسفلت ولا امرأة أخرى غيرك تمشي بساقين شهيتين إلى موقف أم درمان ولا.. غير الشرطي البارد يمل صوتاً ورصاصاً وحافلة لا تمضي إلى أين.. رجال لا يمضون إلى إين.. كماسرة يتخذون من الأسفلت لباساً وينامون..
وأنت آخر عذراء في تلك الليلة تنظر في عينيّ عميقاً وتتعشق أن يتركنا النادل إلى أنفسنا وحيدين.. ويتركنا النادل، المدينة لا تعرفني وأنت القروية لا تعرفين سر الغربة ولا تفهمين معنى أن يتركنا النادل ننظر في عينينا نتشهى أن يتركنا النادل وأن يمضي ..غداً، غداً، يكتمل الفجر، تستهويني رؤية قبر الجندي ونبش حبيبته من موت قد يخدعنا أو يدل القاتل عنا.. أعرف أنك لا كالأم ولا كالبنت ولا كالعاشقة ولا بنت الليل.. وأعرف أن وجودك في المقهى محض تشهٍ، وأعرف أني اخترق الليل إليك كالمتسول للدفء وللرائحة..
وأعرف أنك لا.. إلا أن تأتي إلىّ، وأن تلتئم اللوحة وأن : نَسْقُطْ