2015/08/19

الشكل هو هاجسي اﻻول ...حوار مع الروائي السوداني بركة ساكن/صحيفة القاهرة

حاوره: محمود حسني محمود
عبد العزيز بركة ساكن: أديب وروائي سوداني، حائز على جائزة الطيب صالح للرواية في دورتها السابعة، وفيما حظيت أعماله باهتمام القراء والنقاد فكثيرًا ما أغضبت الرقيب.وُلِدَ بمدينة »كسلا« عام ١٩٦٣م، ونشأ وترعرع في »خشم القربة« بالقرب من مدينة »القضارف«، حيث درس المرحلة الابتدائية بمدرسة»ديم النور الابتدائية بنين« )الرباط حاليًّا( بالقضارف، والتحق في المرحلة المتوسطة بمدرسة »خشم القربة« ثم مدرسة »حلفا الجديدة« في المرحلة الثانوية، وتابع دراسته الجامعية في مصر، فدرس إدارة الأعمال بجامعة أسيوط. ويقيم حاليًّا في »النمسا«، وهو متزوج وله ولدان: »المهاتما« و»مستنير«.عمِل مدرسًا للغة الإنجليزية في الفترة من ١٩٩٣م إلى ٢٠٠٠م، وشغل عدة مناصب، أبرزها: عمله مستشارًا لحقوق الأطفال لدى اليونيسيف فيدارفور من ٢٠٠٧م إلى ٢٠٠٨م، ومديرًا لمشروعات التنمية في صندوق تنمية المجتمع التابع للبنك الدولي بالنيل الأزرق، إلى أن تفرَّغ للكتابة؛ تلك الوظيفة التي يستودعها شغفه التام والدائم ويعدها»وظيفة الساحر«، فإلى جانب مؤلَّفاته القصصية والروائية، كتب في كثير من الدوريات والمجلات والجرائد، منها: »مجلة العربي«، و»مجلة الناقد اللندنية«، و»مجلة الدوحة«، و»جريدة الدستور« اللندنية، و»الجزيرة نت«، وغيرها. كما أنه عضو نادي القصة السوداني وعضو اتحاد الكتاب السودانيين، وله مشاركات عديدة في فعاليات ثقافية عربية وعالمية.حصلت روايته »الجنقو مسامير الأرض« على جائزة الطيب صالح للرواية عام ٢٠٠٩م، ليصدر بعد قليل قرار وزارة الثقافة السودانية بحظر الرواية ومنع تداولها، وقبل ذلك صودرت مجموعته »امرأة من كمبو كديس« عام ٢٠٠٥م، وفي ٢٠١٢م قامت السلطات بمنع عرض كتبه بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب، فيما رأى ساكن في تعنُّت الرقابة تضييقًا غير مقبول، مؤكِّدًا على أنه »كاتب حسن النية وأخلاقيٌّ، بل داعية للسِّلْم والحرية، ولكن الرقيب لا يقرؤني إلا بعكس ذلك.« في المقابل،توفَّرت لأعماله قراءات تنبَّهت إلى رسالته وإبداعيته ونبَّهت إليها، فمُنحجائزة »بي بي سي« للقصة القصيرة على مستوى العالم العربي ١٩٩٣م عن قصته: »امرأة من كمبو كديس«، وجائزة »قصص على الهواء« التي تنظمها »بي بي سي« بالتعاون مع مجلة العربي عن قصتيه: »موسيقى العظام« و»فيزياء اللون«، وفي ٢٠١٣م قرر المعهد العالي الفني بمدينة سالفدن سالسبورج بالنمسا أن يدرج في مناهجه الدراسية روايته »مخيلة الخندريس« في نسختها الألمانية التي ترجمتها الدكتورة »إشراقة مصطفى« عام ٢٠١١م.تحاوره القاهرة بمناسبة صدور أحدث أعماله رواية “الرجل الخراب” عن مؤسسة هنداوي 2015– في الرجل الخراب تشتبك بشكل مباشر مع فكرة العيش في الغرب، ألم تخشى من هذه الفكرة خاصة وأنها كثر تناولها كتيمة روائية؟نعم، هذه الفكرة مستهلكة جدا وتناولها الكثير من الكتاب، ولكن الرواية هي ليست  الحكي وليست عرض الافكار، فالرواية هي فن سرد الحكاية وليست هي الحكاية، وليست هي ما يحدث او حدث، اقصد ان الرواية هي عمل ادوات السرد في المسرد، بالتالي انا في كل اعمالي اهتم بالشكل والشكل هو الذي يولد ما بعده. فالاسلوب الذي كتبت به رواية الرجل الخراب والتكنيك الفني هما اللذان جعلا هذه الرواية غير مستهلكة ولا تشبه تلك التي تناولت ذات المكان والافكار.الجانب الاخر: حساسية الوقت والأحداث في اوربا في تغير دائم، اوربا كما العالم لا تستقر علي حال، والإنسان كما الله كل يوم هو شأن، والكتابة مثل النهر فانك لا تدخلها  مرتين، وهكذا.– كم من الوقت احتجت لإنجاز هذا العمل؟ وهل هناك ما يميزه عن باقي أعمالك التي تركز في عوالمها على السودان بشكل شديد الخصوصية ؟هذا العمل اخذ مني عامين، وهما كل الوقت الذي قضيته في اوربا بالنمسا، وكنت دائما ما اكتب وفقا للمكان الذي انا فيه، مثلا رواية مسيح دارفور بدأتها في دارفور قريبا جدا من ميادين المعارك، ومن ذاتامكنة الصراع، وبين الضحايا انفسهم، الجنقو كتبتها وانا اتجول في الحدودالاثيوبية الارترية في حقول السمسم والذرة، في بيوت صانعات المريسة وعرق العيش والبلح، بين الجنقو والجنقاويات وعند محبتهم، رواية الطواحين التي ابطالها طلاب كلية الفنون، حملتني لدراسة الفن النشكيلي،وهكذا ، العمل الروائي عندي لا ينفصل بأمكنة الحياة التي تخصني، فالروائي مثل النحات النوبي يعمل علي  الصخرة التي يعرفها ويحفظ خصائصها.– في الإهداء قلت أن الشيطان حتى وقت قريب كان يكتب لك الروايات، ماذا تفعل الآن بعد أن تخلى عنك، خاصة أنه يمكن استنتاج أنالرجل الخراب مكتوب دون عون من الشيطان ؟قصتي مع الشيطان ليست قصة خيالية ولا هي نوع من العبث والجنون والشيطنة، وليست ايضا حكاية ابداعية، فهي واقع فعلي مادي ملموس ومعاش،  فأمي عليها الرحمة هي اول من انتبه ان هنالك شيطان يخصني انا بالذات، وهو كان يقيم معنا في البيت بمدينة القضارق بقشلاق السجون، ربما لم يكن شيطانا ولكنها اطلقت عليه هذا الاسم المربك المحير، وأنا قبلته وهو ربما قبله ايضا ولو علي مضض، ولكن ظلت رعايته لي كاملة غير منقوصة، لذا عندما شاهدتني امي املا كراسات المدرسة ودفاتر كبيرة ضخمة بالكتابة وأنني اقضي ليل في ذلك العمل، لم تندهش، تعرف ان راس ولدها هذا الصغير ليست به كل تلك الكلمات ، انما يمليها له الشيطان صديق طفولته وراعيه الوفي.ثم حدثت لي اشياء كثيرة غريبة جدا، طوال حياتي، لم تحدث لإنسان قبلي إلا اذا كان لديه مثل الذي لدي، ولا ابالغ اذا قلت انني لولا هذا الشيطان الطيب لمت منذ سنوات في  مناطق الحروب التي لا يبدأ فيها القتال إلا بعد ان افارقها بساعات قلائل، كان يهمس لي: يا عبدو، عليك ان تغادر الان.بارك الرب في شيطاني الجميل، ذلك المخلوق الوديع، الذي يكتب لي الروايات والقصص القصيرة، وعلمني الشعر، وأوحي لي ببعض الافكار الشيطانية.وأظنه كان قربي في الطائرة الى اوربا، من يدري– أخبرنا أكثر عن شكل التعاون مع ناشرك “هنداوي”، وألا ترى أنك مهضوم الحق في أن أعمالك ليس لها توزيع جيد بين البلدان العربية؟مؤسسة هنداوي للعلوم والثقافة بها ادارة وموظفون نبلاء، وأنهم بشر يسهل التعامل والتعاون معهم وأنهم محترمون، وأصبحوا لي اصدقاء اكثرمما انا عميل عندهم او زبون، ولكن في ظني ان مشكلة هندواي كمؤسسة هي مشكلة بيروقراطية بحتة، اعني مشكلة  تصاحب المؤسسات الكبيرة التي تعمل وفقا للوائح ونظم ادارية صارمة، في واقع شديد التغير ومربك مثل واقع البلاد التي نحن منها، السودان ومصر.ومنذ اللحظات الاولي اخبرت المؤسسة  عما يمكن ان يصير عليه الحال في توزيع كتابي، وشرحت لهم كيف ان من كتاب واحد يدخل السودان يمكن ان ينسخ الناسخون ولصوص الكتب والناشرون الاشباح الآلاف ، وعليهم ان يقوموا بإغراق السوق تماما في السودان ومصر، ولكن لكي تأخذ هذه الفكرة دورتها، استهلكت وقتا طويلا، اما اليوم فمؤسسة هنداوي لا تستطيع ان توزع كتابا واحدا في السودان، فلقدسيطر المزيفون علي السوق واعرف الان سبع طبعات مختلفة لكتاب الرجل الخراب بالخرطوم  وطبعة واحدة رديئة بمصر انجزها ناشر مشهور، وبذلك خسرت تماما ان اجد مليما واحدا من هذا الكتاب من سوقالسودان، ولكن انا سعيد ايضا بأن الكتاب الان في كل مكان في السودان  وانه اصبح مصدر دخل لبعض باعة الكتب الفقراء ويكفيني اذا استطاع احدهم ان يوفر افطارا لطفله من ربح يأته من احد كتبي.ولي تعاون آخر مع هنداوي وهو تعاون ناجح ، ان اعطيتهم حق  نشر كتبي الكترونيا لخمسين سنة  ولهم الفضل في توصيل كتبي للقراء في كل انحاء العالم مجانا.– كيف ترى الجوائز الأدبية في العالم العربي مثل البوكر وكتارا؟ وألا تفكر في التقدم لهذه الجوائز؟الجوائزمشجعة جدا، ولكن الذي يدهشني فعلا في احيان كثيرة عندما اقرأ العمل الفائز، احس بان في الامر شيء لا افهمه، هل هنالك مواصفات اخرى للعمل الذي عليه ان يفوز بمسابقة ما غير الفن البحت؟؟طبعا ساشترك في يوم ما في مسابقة ما، ولا تهم النتيجة.– هل أصبح على الكاتب أن يكون جزء ضروري من التسويق لأعماله بحضوره لحفلات التوقيع والندوات التي تناقش روايته؟طبعا، الكاتب لم يعد شيئا منفصلا عن سوق كتابه وسوق الكتب الاخرى، اقصد سوق القراءة. وتواجده بين القراء اصيل كواحد منهم وهو القارئ المنشئ للعمل الفني وهم المؤلفون اللاحقون له، ودورهم في تأليف النصوص التي تخصهم من نصه ، كبير وفاعل واساسي. والقارئ هو الكاتب الادق الذي يصنع مؤلفه من خبراته وظنونه مباشرة. وتواجد الكُتَّاب في الزمان والمكان بين القراء يفيد تجربة الكاتب ويعطيه الثقة فيما يكتب او يحبطه، وكلاهما تفيدان الاعمال القادمة.– بخصوص الترجمة، هل هناك أعمال تترجم لك حاليا أو تفكر في مشروع تعاون مع مؤسسة ثقافية أوروبية لترجمة أعمالك؟لدي مشروعت في الترجمة: الجنقو مسامير الارض، ستصدر هذا الشهر من الولايات المتحدة بالانجليزية، ترجمها الاستاذ عادل بابكر، مسيح دارفور بالانجليزية”ترجمها عادل بابكر” وبالالمانية”ترجمها الدكتور غونتر اورت” وبالفرنسية”ترجمها البروفسير اجزافية لوفن” ستصدر  عن دار زولما بباريس وهي الدار التي ستقوم بنشر رواياتي الاخرى بالفرنسية، والتي في مراحل متختلفة نحو النشر، الخندريس نشرت بالالمانية “ترجمتها الدكتورة اشراقة مصطفى” والان تدرس بالمعهد العالي بسالفلدن، البحيرة المسحورة وهي قصة للأطفال صدرت بالألمانية في فيينا” ترجمها احمد اوبليد وزوجته اوتي”، فارس بلالةوحواية والضبع قصص شعوبية، صدرتا بالانجليزية والفرنسية والعربية، بدار هرماتان بباريس”ترجمها البروفسير اجزافيه لوفن”، وهكذا.– أخبرنا بعض التفاصيل عن طقوس الكتابة، المكان، الوقت، أنواع الطعام والشراب، هل تكتب بشكل يومي وكم عدد الساعات ؟اكتب الرواية، او في الحقيقة يمليني لها الشيطان بطريقة غريبة، لا ابدأ ابدًا بالفصل الاول، انما اكتب اول  مشهد يحضر الي ذهني، بدون تخطيط وبصورة عشوائية جدا، ثم تنمو الرواية في الاتجاهين، نحو الاعلى ونحو الاسفل، بمعني ان آخر فصل اكتبه هو الفصل الاول معا مع الفصل الاخير، وبعد ذلك في احيانا كثيرة قد اكتب بعض الفصول الأخرى المهمة في وسط الرواية في اتجاه البداية او اتجاه الخاتمة. وهذا يجعل الشكل قي رواياتي غريبا جدا، ولا تُوجد تراتيبية سردية ويمكن القارئ في كثير من الاحيان ان يقرأ الرواية بالطريقة التي تعجبه، كما ان القارئ يجد احداثا في رواياتي مبتورة لان  تمامتها ببساطة في فصل آخر، فعلي القاريء ان يكون منتبها طوال وقت القراءة وإلا اضله الشيطان. فانا اعتمد علي القارئ في كتابة الرواية وبنيتها، اي ان دوره مهم في ان تكتمل الرواية بعد نشرها.ليست لي طقوس معينة في الكتابة، اكتب في كل مكان وكل زمان ولكنني افضل العمل في الصباح والنهار، فالليل لا استهلكه في اعمالالكتابة، فهو لي.عادة اعمل في القراءة والكتابة يوميا بمعدل ثمان ساعات.– هل تختلف الحياة خارج البلدان العربية بالنسبة لعبد العزيز بركة ساكن الكاتب؟ وهل هو اختلاف ايجابي أم سلبي، حدثنا عنه أكثر.انا احب الحياة في الريف، ليس لي مسكن في اية مدينة، حتى الخرطوم، احب ان اقيم في المناطق الخلوية ولكن للأسف في السودان لم تعد فيه آمنة تلك البقاع، واحب ايضا القاهرة، لأنك يمكن ان تشكل القاهرة كما تهوي، يمكنك ان تصنع منها قرية بسيطة او مدينة معقدة.الان اقيم ايضا في الريف النمساوي، في منطقة جبال الالب علي حدود بعض الدول المجاورة للنمسا.اختلاف الحياة يعتمد ايضا علي استعداد الشخص النفسي لتقبل كل ما هو جديد. في اوربا احس بأنني اكثر حرية وأكثر امنا وأكثر وضوحا وأكثر فقرا.– ماذا مثلت لك الكتابة في اللحظة التي بدأتها فيها خطّ أول أعمالك؟ وكيف ترى الامر بعد مسيرتك المختلفة؟منذ صغري، حيث كتبت اول رواياتي وأنا في ال13 من العمر، كنت دائما احب ان اكون كاتبا، فقط كاتب، وتشكلت حياتي على هذا النحو، نعم لقد قمت بوظائف كثيرة: “خياط وبناء وعامل صحة، ومعلم، وموظف في منظمات دولية، مستشار في الامم المتحدة، مدير لأحدي مؤسسات البنك الدولي، ثم لاجئ في المعاش.” ولكني كنت دائما الكاتب الذي يعبر تلك الوظائف نحو هدفه الاسمى. في الكتابة لا يفيد ان تعتبرها مجرد نزوة عابرة، اما ان تكون الكتابة مشروع حياتك اولا تكون انت كاتبا.– ما هي الأعمال التي قرأتها مؤخرا وأحببتها من الأدب العربي والغربي ؟وما أحب الاعمال إلى قلبك في العام، والكاتب الذي ترى أنه أثر فيك كثيرا؟احب دائما وبصورة متواصلة ان اقرا المواقف والمخاطبات وهو الكتاب المقدس للنفريولكن الكتاب الذي اثر في  ودفعني للكتابة هو كتاب: قصص الرعب والخوف للشاعر الامريكي ادجار الان بو.اقرأ كل ما اجده من الادب العربي، وأفضل ان اقرأ للأجيال الجديدة.– أخبرنا إذن، هل هناك رواية تعمل عليها في الوقت الحالي ؟ وهل هناك ما يمكن أن نقتنصه من تفاصيل حول أجواءها أو انشغالها ؟روايتي الجديدة: هي منفستو الديك النوبي.سأخبرك بجزء منها:“الأبْنَاءُ السَّفَلَة نَحْنُ الأبْنَاءُ السَّفَلَة نَحْنُ الأبْنَاءُ السَّفَلَة نَحْنُ الأبْنَاءُ السَّفَلَة نَحْنُ الأبْنَاءُ السَّفَلَة نَحْنُ الأبْنَاءُ السَّفَلَة …نَحْنُ الأبْنَاءُ …السَّفَلَة…نَحْنُ الأبْنَاءُ السَّفَلَة نَحْنُ الأبْنَاءُ السَّفَلَة نَحْنُ الأبْنَاءُ السَّفَلَة نَحْنُ الأبْنَاءُ السَّفَلَة…نَحْنُ الأبْنَاءُ السَّفَلَة …
”نشر في جريدة القاهرة "

ليست هناك تعليقات: